يبقى فيلم "معالي الوزير" -الذي قدمته السينما المصرية العام 2002- وثيقة على طريقة اختيار الوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين في مصر. الصدفة اختارت "رأفت رستم"؛ ليكون وزيرًا، في مفاجأة لم يتوقعها ولم يعمل لها، ما جعله بعدما أدي اليمين الدستورية، يؤدي يمينًا أخرى مع نفسه بأن يحترم هذه الصدفة التي جعلته وزيرًا، وأن يعمل بكل الأساليب لترسيخ أقدامه في منصبه غير المستحق.
الحكومات الأخيرة شهدت اختيار عناصر مثيرة للجدل؛ بدليل التغييرات والتعديلات المتكررة دون إنجاز يُذكر. هناك إصرار دائم من أصحاب القرار على اختيار أسماء مغمورة لمسؤوليات جسيمة. اختيارات المناصب الكبيرة تحكمها المجاملات الصارخة، وهذه خطيئة كبرى. مصر تخسر كثيرًا جدًا جراء الترشيحات الساذجة والخائبة للحقائب الوزارية وما في مستواها.
القضية ليست في "الوزير أبو حظاظة"، ولا الوزير ذي الشهادات الملفقة، ولا الوزير ذي القوة الثلاثية، وإنما القضية غدت أكبر من ذلك بكثير. هناك رغبة عنيفة وإن لم تكن مقصودة في تقزيم مصر. الدول لا تتقدم ولا تنهض ولا تعوض إخفاقاتها بوزراء ومحافظين دون المستوى، أو بمسؤولين من ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم. الرأي العام وجد نفسه مضطرًا إلى المقارنة بين أسماء الوزراء والمحافظين في عقود ومراحل سابقة، وبين وزراء ومحافظي السنوات الأخيرة من عديمي الأثر والتأثير والخبرة، حيث يطويهم النسيان فور مغادرة المنصب. هذه ظاهرة غير طيبة.
الثقة المطلقة لا تزال مقدمة على الكفاءة العلمية والجودة المهنية. الكفاءة -في الأساس- لم تعد شرطًا أصيلاً في الاختيار. مصر تملك في الداخل والخارج خبرات عظيمة وأسماء لامعة في مختلف المجالات والملفات، ولكن يبدو أن هذه المرحلة ليست مرحلتهم إطلاقًا. الوزير "رأفت رستم" نموذج سينمائي يحاكي الواقع البائس. عندما كان عدد سكان مصر ربع أو نصف عدد سكانها الحالي كانت حكوماتها تضم وزراء ومحافظين مثل: طه حسين ويوسف السباعي وثروت أباظة وأحمد فتحي سرور وأحمد رشدي وأحمد كامل بهاء الدين وأبو غزالة وفاروق حسني وعبد الرحيم شحاتة ومحمد عبد الحليم موسى وآخرين يستعصون على الحصر.
ما ينطبق على الوزراء ينسحب على المحافظين. ماذا استفادت مصر من وزراء ومحافظين ومسؤولين من نوعية: هالة زايد ومختار جمعة ورضا حجازي- الذي تمت الإطاحة به أثناء امتحانات الثانوية العامة- ونيفين الكيلاني وسيد القصير وأيمن مختار وخالد عبد العال وأحمد راشد وحسين زين وكرم جبر وآخرين، لا تعلمونهم، الله يعلمهم؟ هذه الطريقة في تعيين الوزراء والمحافظين وكبار المسؤولين ترسخ قاعدة أن مثل هؤلاء لا يملكون قرارًا، وأنهم يؤدون أدورارًا تنفيذية لا أكثر ولا أقل، لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي، أو كما ظهر الوزراء الأربعة في مسرحية "الزعيم". عندما يكون الوزير/ المحافظ/ المسؤول ضعيفًا بلا خبرة، فإنه سوف يسعى جاهدًا إلى الاستعانة بعناصر أشد ضعفًا منه وهوانًا، وهلم جرا؛ حتى يسوسهم ويسيطر عليهم بسهولة، والخاسر الأول والأخير هو الوطن.
المواد الدستورية المُنظمة لاختيار رئيس الحكومة والوزراء والمحافظين لا تشترط خبرات متراكمة، ولا درجات علمية رفيعة، وإنما هي أمور تتصل بالسن والجنسية وحالة الصحيفة الجنائية وموقف الخدمة العسكرية. ديمومة الاستعانة بالضعفاء تخصم من الرصيد المتهاوي للوطن.
التهوين من الغضب الشعبي من هذه الاختيارات ليس ذكاءً ولا فطنة. تدارك الأخطاء قد يكون حلاً لامتصاص الغضب وتجميده. رئيس الوزراء الحالي يشبه كثيرًا نظيره في الفيلم المذكور "عمر الحريري" الذي اضطر للإبقاء على رأفت رستم في الأخير؛ خوفًا وخجلاً، حتى إنه غادر منصبه، فيما استمر وزير الصدفة في منصبه عدة سنوات أخرى.